ولكن ما يُدرى كلا الطرفين أن الآخر طور أو
يطور هذه العلاقة ولو من طرف واحد؟
3ـ يجد الرجل في هذه العلاقة الراحة والتسلية,
فينشرح صدره وينسى همومه ويأنس بهذه المحادثات والمناقشات,
هو لا يبحث عن حل أو يريد أن يحقق غرضا وإنما يريد أن يفرغ همه،
وهذا حاصل في هذه العلاقة, فليس مهماً أن تكون الفتاة جميلة المنظر،
وإنما هي كفتاة تحمل مراده وتحقق غايته
من تسلية النفس وانشراح الصدر أثناء المجالسة، سواء عياناً أو هاتفياً،
وهذا الأنس مركب في طبع الرجل تجاه المرأة لا ينكره عاقل,
ويقابل ذلك عند المرأة زيادة على هذا تحقيق الشعور بالذات والأهمية
وزيادة الثقة بالنفس نتيجة لطلب الفتى أو الرجل إياها والتظاهر باحترامها,
وكما ذكرنا أنه لا يتورع عن المخادعة والتمثيل
فهي تحكمه بدلالها وهو يحكمها بدهائه.
.
.
4ـ إذا كانت هذه العلاقة لا تدعو إلى الفاحشة؛
فهذا ليس دليلاً على صحتها وشرعيتها،
فقد كان أهل الجاهلية قبل الإسلام يقولون:
(الحب يطيب بالنظر ويفسد بالغمز)،
وكانوا لا يرون بالمحادثة والنظر للأجنبيات بأساً مادام في حدود العفاف.
وهذا كان من دين الجاهلية، وهو مخالف للشرع والعقل؛
فإن فيه تعريضاً للطبع لما هو مجبول على الميل إليه،
والطبع يسرق ويغلب.
والمقصود أن أصحاب هذه العلاقة رأوا عدم العفاف يفسد هذه العلاقة
فغاروا عليها مما يفسدها فهم لم يبتعدوا عن الفاحشة تديناً!
5ـ و منذ متى واعتراف المجتمع يعد معياراً
فهل اعترافه بعلانية بيع الخمور يبيح الخمر؟!
إن معيار المجتمع معيار ناقص،
وكذلك معيار كثرة المترددين على الأمر لا يعد دليلاً على صحته،
يقول الله تعالى:
{قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُواْ اللّهَ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (المائدة100).
.
.
6ـ من أوضح ما يلاحظ في هذه العلاقة
أن كلا الطرفين يرى الآخر في أحسن صورة،
حتى لو كان عكس ذلك، بمعنى أنه
قد يكون الشاب أو الرجل تافها وسمجا وغير متزن،
والفتاة التي معه قد لا تقبله زوجاً،
ولكن مع ذلك فهي تراه في صورة محببة إلى نفسها،
بدليل استمرار هذه العلاقة بينهما.
وكذلك الفتاة أو المرأة قد تكون لها من التفاهة نصيب كبير
وأفكارها ساذجة وليس لها همة في عمل شيء مفيد
وموضوعاتها المطروحة تنم عن فراغ في العقل،
بل زد على ذلك أنها قد تكون غير جميلة وأيضاً لا يقبلها الشاب زوجة،
ومع كل هذا يشعر تجاهها بارتياح وقبول،
وقد يتفقدها ويسأل عنها إذا غابت بل قد يغار عليها..
إذاً ما سر هذا الترابط واستمرار هذه العلاقة
على الرغم من علم كلا الطرفين بنقائص الآخر؟!
وجواب هذا :
أنه من تزيين الشيطان؛ إذ يزين كل طرف للآخر،
فإذا رأى أحدهما من الآخر عيباً أو نقصاً يستحسنه ويقبله،
والدليل على ذلك أن صاحب هذه العلاقة لا يقيمها مع أخته أو زوجته إن كان متزوجاً،
بل قد تكون أخته أكثر اتزاناً وعقلاً من التي يبني معها هذه العلاقة،
بل إنه لا يقبل من أخته ما يقبله منها،
وكذلك الفتاة صاحبة هذه العلاقة قد يكون لها أخٌ شقيق
هو أفضل من هذا الذي تبني معه هذه العلاقة،
ولكن مع هذا فهو لا يغنيها عن هذا الشاب أو الرجل، فهكذا يتضح جلياً مدى تزيين الشيطان، ويكثر في القرآن الكريم قوله تعالى:
{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ.. }
...
والمقصود أن الشيطان لا يدعو إلى الشيء ويسميه باسمه أو بصفته،
بل يبسط الصعب ويهون العظيم، حتى إذا دعا إلى الفاحشة يقول
: هذا أمر طبيعي وعادي، إن فلان وفلان يفعلونه،
إن كثيراً من الناس يقومون به، إنه ليس بالأمر الكبير،
قد يكون خطأ ولكنه ليس جريمة... وهكذا،
ولا ينتبه إلى هذا إلا من أنار الله قلبه بالإيمان به،
والوقوف على أوامره ونواهيه.
.
.
7ـ هذه العلاقة تقوم على الاستغلال ,
وذلك من قبل الرجل أكثر منه من قبل المرأة ,
فالمرأة عاطفية أكثر من الرجل بكثير؛
لذا فهي ترى أن أهم مكسب لها من هذه العلاقة هو
الإشباع العاطفي المتمثل في وجود شخص يهتم بها ويحترمها,
والمكسب الآخر الذي لا يقل أهمية عنه هو المشاركة الوجدانية،
وذلك متمثل في وجود شخص ينصت إلى مشاكلها وآلامها ويبادلها الرأي باهتمام,
هذه هي المرأة وهذه هي تركيبتها عموما،
ولا محل هنا للبيئة أو التربية أو الالتزام ,
فأي امرأة يكفيها أن تجد من يهتم بها،
وفى الوقت نفسه ينصت إليها ويشاركها مشاكلها
, ولا يشترط أن يجد لها حلا,
ثم يأتي دور الرجل أو الصديق
فالرجل لا ينظر للأمور بنظرة عاطفية كالمرأة
مما يؤهله أن يكون هو الطرف المستغل لهذه العلاقة فيأتى هنا دوره التمثيلي,
فيتفنن في إظهار الاحترام والتقدير لهذه الفتاة ويعطيها الثقة في نفسها.
ثم ينفذ المرحلة الثانية باقتدار أيضا ,
فينصت إلى ما تطرحه من مشاكل أو أفكار ثم يشعرها
بأنه كالطبيب المعالج وكالفقيه الحكيم ,
فإذا كان غرض الفتاة من هذه العلاقة ـ كما ذكرنا ـ هو
الإشباع العاطفي والمشاركة الوجدانية..
فهل يمنحها هذا الشاب كل هذا من غير مقابل,
لوجه الله مثلا!
أبدا, فكما ذكرت سابقا أن الرجل يكفيه من المرأة
ولو حتى سماع صوتها أو رؤيتها والأنس بها والتسلي,
هذا في إطار العلاقة البريئة!
وغالبا ما ينفلت الزمام من أيديهما.
.
هذه هي العلاقة بين الرجل والمرأة أو الفتى والفتاة،
وهذا ـ بكل صراحة ـ هو ما يقوم به الرجل أو الشاب
من استغلال واستغفال للفتاة أو المرأة في هذه العلاقة